الشمس تتعامد من جديد على احفاد الفراعنة (شهادة للتاريخ)




بمناسبة الإحتفال بتعامد أشعة الشمس على كنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير محافظة الشرقية يوم 1 مايو من كل عام .. بدأت القصة منذ عشر سنوات تقريبا عندما تواصل معي أبونا/ ويصا حفظي راعي الكنيسة والسيد المهندس/ مجدي غبريال المسئول عن ترميمات الكنيسة بسبب اكتشافهم بمحض الصدفة لتعامد أشعة الشمس على مذابح الكنيسة في اعياد قديسيها ، وهم حسب الترتيب الزمني مذبح الشهيد مار جرجس يوم عيده الموافق 1 مايو – مذبح رئيس الملائكة ميخائيل يوم عيده الموافق 19 يونيو ، وهو المذبح الرئيسي في الكنيسة .. كما يوجد مذبح ثالث باسم السيدة العذراء ولكن لم يتم بعد إثبات تعامد اشعة الشمس عليه بسبب مبنى الخدمات الذي يُعيق دخول الأشعة من الفتحة الموجودة بالقبة العلوية ...

كان أول من رأى هذا التعامد من أساتذة الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية هو أ.د/ مسلم شلتوت (رحمه الله) ، وهو من المهتمين بموضوع التعامد وله عدة مؤلفات وبحوث في هذا الاتجاة .. ثم تم دعوتي رسميا كرئيس قسم الفلك بالمعهد حينذاك لرؤية وإثبات تعامد أشعة الشمس على المذبح الرئيسي للكنيسة يوم 19 يونيو 2015 .. وفي سياق توثيق هذه الظاهرة فلكيا رتبنا زيارة أخرى للكنيسة في عدم وجود مصلين كفريق عمل مكون من ا.د/ سمير نوار (رحمه الله) - ا.د/ عبد الفادي بشارة (الرئيس الحالي للجنة الوطنية لعلوم الفلك والفضاء) - والعبدلله .. وقد استخدمنا بعض الأجهزة العلمية لقياس احداثيات المكان ، وأيضا لقياس الزوايا الأفقية والرأسية للفتحات التي يدخل منها ضوء الشمس وكذلك مساحة تلك الفتحات ، وما إلى ذلك .. وقد اعتمدنا في ذلك على أن سبب تعامد أشعة الشمس على مكان معين على سطح الأرض في يوم معين في السنة وفي ساعة معينة من نهار ذلك اليوم يرجع إلى حقيقة فلكية هامة وهى أن نقطة شروق الشمس تتحرك كل يوم بمعدل ربع درجة تقريبا على الأفق الشرقي .. وبالتالي فان مسار الشمس في السماء أثناء النهار منذ شروقها وحتى غروبها يتغير كل يوم على مدار العام .. ولذلك نجد ان الزاوية الرأسية altitude التي تمثل أرتفاع الشمس عن الأفق ، وكذلك الزاوية الأفقية azimuth التي تمثل زاوية الشمس من اتجاة الشمال الجغرافي تتغير يوميا وكذلك مع ساعات النهار على مدار اليوم .. وعليه لابد ان تكون زوايا النافذة مطابقة تماما لزوايا الشمس في اليوم المحدد والساعة المحددة وإلا فلن يدخل ضوء الشمس أبدا من تلك النافذة في ذلك الوقت !!

وقد شاهد هذه الظاهرة أيضا كل من ا.د/ نبيل شكري - ا.د/ مجدي حنا - ا.د/ أشرف شاكر من أساتذة قسم الفلك بالمعهد ، وكذلك الزميل العزيز د/ عمر فكري مدير القبة السماوية بمكتبة الإسكندرية ..

فاذا بدأنا من نقطة الاعتدال الربيعي في 21 مارس نجد ان الشمس تشرق من نقطة الشرق الأصلية تماما وتغرب في نقطة الغرب الاصلية ، ولذلك يتساوى الليل والنهار .. ثم نلاحظ انحراف نقطة الشروق ناحية الشمال الشرقي كل يوم بمعدل ربع درجة تقريبا حتى تصل الى اقصى انحراف لها قيمته 23.5 درجة شمال شرق من نقطة الشرق الأصلية (وهو مقدار ميل محور دوران الأرض حول نفسها على المدار) حيث تصل الشمس الى نقطة الانقلاب الصيفي في 21 يونيو ، ويكون ذلك اليوم هو اطول نهار في السنة .. ثم تتحرك نقطة شروق الشمس على الأفق رجوعا مرة اخرى وبنفس المعدل (ربع درجة يوميا) حيث يقصر طول النهار تدريجيا الى أن يتساوى مع الليل مرة أخرى فنجد الشمس تشرق من نقطة الشرق الأصلية مجددا ويكون ذلك في 21 سبتمبر حيث الاعتدال الخريفي .. ثم تستمر نقطة شروق الشمس في تحركها نحو الجنوب الشرقي يوميا بنفس المعدل الى ان تصل الى اقصى انحراف لها قيمته 23.5 درجة في 21 ديسمبر ، وهي نقطة الانقلاب الشتوي فيكون ذلك اليوم هو اقصر نهار في السنة .. ثم تعود الشمس مرة اخرى تدريجيا مع الأيام بنفس المعدل فيزداد طول النهار تدريجيا الى ان يتساوى مع الليل مجددا في 21 مارس وهكذا .

ومعنى هذا أن الشمس تمر على كل نقطة في مسارها النهاري اليومي مرتين في السنة .. (لاحظ أننا نتكلم هنا وكأن الشمس هي التي تتحرك ! ولكن الحقيقة أن الأرض هي التي تتحرك في مدارها حول الشمس ونطلق على هذا المفهوم في الفلك "الحركة الظاهرية للشمس") !

هذه هي الحقيقة العلمية التي اكتشفها قدماء المصريين وقد استخدموها في بناء معابدهم ، وعلى سبيل المثال معبد أبوسمبل فجعلوا أشعة الشمس تتعامد على وجه رمسيس الثاني مرتين في السنة .. وهناك معابد ومقصورات فرعونية كثيرة تتعامد عليها الشمس في أوقات معينة في السنة مثل معبد حتشبسوت بالدير البحري - معبد كلابشة - معبد هيبس - دير الحجر - دندرة - إدفو - معبد الكرنك - قصر قارون بالفيوم ، وغيرها .. واليوم نكتشف أن الأقباط استخدموا هذه الظاهرة أيضا فجعلوا أشعة الشمس تتعامد على مذابح كنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير محافظة الشرقية ، وكذلك وبنفس الأسلوب جعلوها تتعامد أيضا على مذابح كنيسة مار جرجس الأثرية بصهرجت الكبرى بميت غمر .. ومن الغريب أيضا أن التعامد يتم على ثلاث مذابح هناك بأسماء نفس القديسين ولكن في مناسبات أخرى وبنفس الدقة ..

لم نقل عن هذه الظاهرة انها معجزة ولكننا نقول أنها اعجاز إن دل فيدل على أن المصريين الأقباط هم حقا أحفاد الفراعنة .. وعلى شرف إثبات هذه الظاهرة فلكيا ، أقيمت ندوة علمية بهذا الخصوص برعاية مركز القطامية للتميز العلمي في الفلك والفضاء بمقر المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بحلوان ، بتاريخ 19 أغسطس 2015، وقد ألقيت محاضرة تفصيلية عن اثبات هذه الظاهرة بعنوان :  "الشمس تتعامد من جديد على أحفاد الفراعنة"..

ا.د/ أشرف لطيف تادرس
رئيس قسم الفلك الأسبق بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية
عضو اللجنة الوطنية لعلوم الفلك والفضاء
عضو الاتحاد الدولي الفلكي

Comments

Popular posts from this blog

الأحداث والظواهر الفلكية لشهر يونيو 2023

أهم الاأحداث الفلكية لشهر مارس 2020

الظواهر والأحداث الفلكية لشهر يونيو 2024